Posted by: Ismail Alexandrani | جويلية 27, 2014

تصدق بالله؟ .. الطريق إلى فلسطين يمر بسيناء!

جسر السلام الواصل بين وادي النيل وسيناء من فوق قناة السويس - الصورة من ويكيبيديا العربية

جسر السلام الواصل بين وادي النيل وسيناء من فوق قناة السويس – الصورة من ويكيبيديا العربية

مقال الرأي المنشور على موقع مصر العربية يوم الأحد الموافق 27 يوليو 2014 على الرابط

http://goo.gl/lFfJNc

عقب الحرب الماضية في 2012، وبعد عودة القوافل الشعبية والزيارات الإعلامية من غزة، كتبت في موقع “سيناء الآن” مقالاً في يناير 2013 أتساءل فيه عن السلوك الغريب الذي يدفع المتضامنين مع فلسطين إلى غض أبصارهم عما يفصل وادي النيل عن الأرض المقدسة. يقطعون أكثر من مائتي كيلومتر على طريق أسفلتي يغشاهم سواده فلا يلتفتون إلى البشر والشجر والحجر على جانبيه سوى لالتقاط الصور للذكريات وللمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي. حاولت تذكير من يفعل ذلك بأن المرابطين على الحدود من أهل سيناء، الذين لا يعرفون “كامب” ولا يعترفون بـ”ديفيد”، هم الأقرب إلى أهل غزة منكم فلم يتأخروا عنهم، وهم كذلك الأقرب إليكم من أهل غزة، لكنكم تأخرتم كثيراً عنهم.

.

في ذلك الوقت لم تكن معاناة أهل سيناء قد بلغت إلى الحد الذي يترحمون فيه على عهد مباحث أمن الدولة اللعين. لم يكن الانقلاب قد تم، ولم تكن سلطته قد جن جنونها فأشعلت نيران الحرب المفتوحة ضد سكان المنطقة الحدودية في شمال سيناء لتأمين حدود الأرض المحتلة، وضمان استمرار معاهدة السلام والمعونة العسكرية الأمريكية، غير عابئة بما يدفعه أهل سيناء من أثمان باهظة في سياسة الأرض المحروقة المتبعة منذ سنة تقريباً.

.

لم يعد سرّا أن التنسيق الأمني بين الجيش المصري وإسرائيل من أجل مواجهة “العدو المشترك” في سيناء قد صار على أعلى مستوى. وليس سراّ كذلك أن التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل منذ الانقلاب قد رافقه ضغوط إسرائيلية غير مسبوقة على واشنطن من أجل عدم اعتبار استيلاء السيسي على السلطة انقلاباً عسكرياً كي لا تتوقف المعونة العسكرية. أثمرت جهود اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الاتحاد الأوروبي بعض الثمار المكافئة لالتزام الجيش بالحرب الضروس على الجماعات المسلحة في سيناء، فتم تخفيف حدة المواقف الدبلوماسية المتخذة ضد سلطة الانقلاب، بل نجحت في إقناع البنتاجون بالإفراج عن شحنة من طائرات الأباتشي كجزء من المعونة المجمّدة.

.

قد يكون من المفهوم أن تتخذ الدولة إجراءات عنيفة وصارمة من أجل التزامها بمعاهدة قد لا يكون من المناسب تعديلها أو إلغاؤها في التوقيت الحالي. تنص معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على التزام كل طرف بعدم صدور أعمال عدائية من أراضيه تجاه الطرف الثاني. وفي سيناء رأي عام رافض لهذه المعاهدة جملة وتفصيلاً، لأسباب يطول شرحها في الكتب والمقالات لكنهم يعيشونها بأدق تفاصيلها في حياتهم اليومية، وفي ذاكرتهم الشخصية والعائلية والجغرافية. هذه الأجواء المعادية تماماً للعدو الاستراتيجي الرئيس، وفي ذلك الوسط الذي لا يزال يرى في معتقليه وسجنائه في السجون الإسرائيلية “أسرى”، كانت البيئة المثالية لاحتضان فرع من تنظيم القاعدة بعد سنوات من المحاولات الدؤوبة الفاشلة لإنشاء هذا الفرع في وادي النيل، حيث مسقط رأس أيمن الظواهري.

.

صحيحٌ أن استهداف الصهاينة بعمليات نوعية وتكبيدهم خسائر فادحة ليس صك غفران لجماعة “أنصار بيت المقدس”، وصحيحٌ أن لكل معركة رجالها وتوقيتها، فلا يكفي إعداد العدّة بل يشترط حسن اختيار التوقيت والظرف، إلا أن كل محاولات التنظير والتبرير لما يفعله الجيش المصري في سيناء منذ سنة تفشل في تفسير العقوبات الجماعية العشوائية ضد عموم سكان المنطقة الحدودية من شمال سيناء. فكل من يسقط بنيران الجيش يلصق به وصف “تكفيري” و”جهادي” و”عنصر شديد الخطورة”، وأي بيت يُنسف أو يُقصف يوصم بأنه كان مأوىً للجماعات الإرهابية، وأية عشة تحرق يزعم المتحدث العسكري أنها كانت مخزن سلاح.

.

سيناء تدفع ثمن جوارها لفلسطين. وفي العريش، يذكر الناس جيداً كلمة اللواء مراد موافي، محافظ شمال سيناء السابق، حين أعلن أمام جمع من المواطنين أن الخطر على الأمن القومي المصري من الشريط الحدودي ليس في 190 كيلو متر تفصل سيناء عن الأرض الفلسطينية المحتلة، بل في 14 كيلومتر هي حدود مصر مع قطاع غزة!

.

إذا كنت منبهراً بصمود المقاومة وتطورها النوعي من 2009 إلى 2012 ثم الآن في 2014، فلا تنس أن أغلب تسليح المقاومة قد عبر إليها من سيناء. لا تصدق أوهام دعم مرسي لحماس بالسلاح، فالإخوان كانوا أعجز من ذلك بكثير، سواءً ميدانياً في سيناء أم سياسياً في القاهرة. أما الذي دعم المقاومة بالسلاح فعلا فهما ثورة يناير في مصر وثورة 17 فبراير في ليبيا. صحيح أن داعمي غزة بالسلاح قد انتفعوا مالياً، لكن ما الفارق بينهم وبين كبار قيادات الجيش الذين يحصلون على عمولات صفقات التسليح الرسمية؟!

.

الفارق هو أن داعم غزة بالسلاح مهدد أمنياً وموصوم بأنه مهرب، أو ربما إرهابي. والفارق الآخر هو أن داعم فلسطين بالسلاح حين يرى في منتصف المسافة بين مدينتي الإسماعيلية وبورسعيد لافتة كوبري السلام المكتوب عليها “العراق – فلسطين – سيناء”، فإنه لا يسخر منها. فهو يعلم يقيناً أنه لا يمكنه الوصول إلى فلسطين دون المرور بسيناء. فأين أولويات أبناء وادي النيل؟!


أضف تعليق

التصنيفات